أنا والنادلة الأميرة [ قصة قصيرة ]

اعتقدت لسنوات أن النساء متشابهات كما هي الوسائد في غرفتي، وكما هي الأقلام بخزانتي..إلى أن حل ذاك المساء من سبت ما ،حيث اعتدت أن أشرب قهوتي وحيدا بمقهى للسوريين وسط مدينة فاس ،مقهى صغيرة بطبق سفلي يحوي طاولتين وطابق علوي بأربع طاولات ..أفضل الجلوس بهذا الطابق العلوي مرفوقا بكتاب أو جريدة أو أوراق للكتابة وقلم...كان النادل نضال السوري هو من يقدم لي القهوة عند كل مرة أحضر فيها ،شاب من سوريا في بداية الثلاثين ،أجبرته ظروف الحرب هناك على الالتحاق بقريبه الوحيد بالمغرب ،فعمه هو من يملك هذه المقهى ..إلا أن هذه المرة لم يحضر لي نضال القهوة .


فبينما كنت منغمسا بالكامل في قراءة رواية " هوت ماروك" للكاتب ياسين عدنان ،أحسست بجسد أنثوي يقف أمامي ،رفعت رأسي ببطء متفحصا ذاك الجسد من أخمص القدم إلى الرأس ..الأميرة تقف أمامي الآن ،شابة في بداية العشرين ،بشرة سمراء داكنة ،وشعر متعرج أشقر ،لون عينيها بين الأسود والبني..للحظة تسمرت محملقا فيها ،قبل أن يقاطعني صوتها المخملي و يحدث بداخلي تلك الثورة التي انتظرتها مذ رحيل أمينتي .
- " السلام عليكم ،نجيبلك شي حاجة تشربها؟"
أأخبرها أن كل ما أرغبه لحظتي هذه أن تظل واقفة أمامي أنظر في عينيها ،أم أخبرها أني أريد قهوة بلون عينيها ،و فيها قطعة سكر بحلاوتها ،أأخبرها أني بعد رؤيتها ستفقد قهوتي طعمها ولن تحتفظ إلا بمرارتها..تمنيت قول ذاك لكني لم أقل شيئا من ذاك .
- " قهوة عادية بل سكر "
لا أدري لما طلبتها دون سكر وكأن داخلي آمن أن جسدي لن يحتاج لقطعة سكر في مكان تتواجد به هذه السمراء الشقراء مخملية الصوت .
بعد دقيقتين عادت حاملة فنجان القهوة مرفوقا بقنينة ماء وفاتورة القهوة ،وضعت كل شيء على الطاولة بتأني وبابتسامة أحسست أنها كاذبة .
- تفضل
- شكرا
هذه المرة لم أنظر إليها حاولت أن أبدو جديا وغير مبال بجمالها ،لذلك تظاهرت أني مستغرق في قراءة الرواية والحقيقة أني أنظر للحروف دون أن أعيها ،فمخيلتي كانت تبحث بين كومة أفكاري عن ايجاد طريقة لفتح حوار معها قبل أن أغادر المقهى ،لكنها لم تمنح هذه الفرصة لمخيلتي..
- " هوت ماروك لياسين عدنان ،قرأت هذه الرواية إنها رائعة ".
هكذا نطقت ،وجدتني مشدوها أغلق الكتاب دون أن أعلم الصفحة التي انتهيت عندها ،هي عاشقة أدب إذن ،هذا ملعبي وانتصاري محتوم..لذلك قلت بتلقائية لم أعهدها بلساني :
- " ولكن من أين حصلت على الرواية؟ أنا بحثت عنها مكتبات فاس والرباط دون جدوى ،ولولا أني اتصلت بكاتبها الذي أخبرني بالمكتبة الوحيدة التي توجد بها ،لما حصلت عليها أبدا.
- " أعرف أنها نفذت من مكتبات المغرب ،لقذ أحضرتها لي ابنة عمتي من معرض للكتب بفرنسا..ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بالرواية حتى تتصل بصاحبها ،لا أعتقد أن الأمر مجرد حب قراءة ؟"
- " بصراحة ليس اعجابا بالرواية فقط ،ولكني أنجز بحثا حول علاقة المثقف المغربي بالانتخابات ،وعلمت صدفة أن هذه الرواية تعالج في أحد فصولها مسألة الانتخابات..هدشي علاش..وأنت شنو عجبك ف..."
وقبل أن أكمل سؤالي رن هاتفي ،استأذنتها بدقيقة لأجيب .
- " أوكي تفضل ،نكمل حديثنا لاحقا "
- " أكيد سأحب ذلك جدا "
كان المتصل صديقي يطلب مني الالتحاق على وجه الضرورة والسرعة باجتماع داخل مقر الحزب الذي لا يبعد عن المقهى إلا بعشرين دقيقة مشيا ،لكن وقبل أن أغادر دونت رقم هاتفي على ظهر الفاتورة وتركتها على الطاولة مع ثمن القهوة التي لم يقدر لي شربها.
غادرت ملقيا عليها ابتسامة أمل ورغبة في لقاء قريب ، بادلتني بابتسامة زبون لا أكثر.
أنهيت اجتماع الحزب عند التاسعة ليلا وعدت مباشرة للمنزل ،ولكني قبلها تناولت وجبة العشاء بمطعم شعبي كوني وحيد بالبيت..و عند منتصف الليل إلا دقائق رن هاتفي ،رقم مجهول ،لم أتردد في الاجابة: - " ألو السلام عليكم "
- " وجدت الرواية رائعة لكني من ناحية أخرى لا أحب الروايات ذات الحمولة السياسية ،أجدني أقرب للروايات التي تعالج العلاقات الانسانية ذات اللغة القوية ،لا أحب الروايات الملتزمة لغويا "
- " هذه أنت إذن ؟"
- " أجل أنا ،أأزعجك اتصالي ؟"
- " ربما سرني "..لحظة صمت..
- " مازلت بالعمل؟"
- " مغادرة الآن "
- " هل من فرصة لأراك إذن؟"
- " واخا ماشي مشكل "
- " انتظريني أمام فندق Barcelo ،سأوافيك خلال عشر دقائق "
- " متعطلش عليا "
غيرت ملابسي على وجه السرعة وأخذت الطاكسي ،لم أتأخر ،وجدتها تقف وحيدة بأحد أبواب الفندق المطل على الشارع الرئيسي بالمدينة ..كانت تبدو أكثر جمالا بعدما خلعت ملابس العمل..تصافحنا كغرباء ،
- " أنا سارة "
- " لنؤجل الحديث عن الاسماء لوقت لاحق ،أخبريني عن وضعيتك "
- " أعيش وحيدة "
- " أعيش وحيدا أيضا..إذن أرافقك أم ترافقيني ؟"
تضحك..
- " ألديك روايات أغازل بها ليلتي ؟"
- " خزانتي ملك لك هذه الليلة ،اختاري ما شئت..غازلي شكري ومحفوظ و زفزاف والسباعي والأسواني و همنغواي وديكنز.."
- " أليس في خزانتك أنثى؟"
- " أتحبين مغازلة أحلام والمرشود والسمان والسعداوي...؟هن لك أيضا هذه الليلة "
- " هزمتني ،سأرافقك"
- " لست أول من يهزمك ؟"
- " لا أدري..ربما انهزمت عندما تركت عذريتي معلقة بقصة حب كانت بدايتها قصيدة شعر بقطار ما ،و نهايتها قصيدة شعر فوق سرير ما "..
ابتسمت نشوة بكلامها..وغادرنا نحو المنزل..لم أفتح خزانتي تلك الليلة..فتحت أشياء أخرى ..
-" صباح الخير سارة..اسمي عبدالسلام.."

كتابة - عبدالسلام المساتي من - (المغرب) - احد محبي صفحة شبكة بقلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق